
لم تكن مدينة موحسن مجرد مسقط رأسي، بل كانت ولا تزال رمزاً للمقاومة والبطولة في وجه آلة القمع والدمار الأسدية.
في أواخر عام 2011 حتى منتصف عام 2012، وفي وقت كانت فيه عمليات تدمير دبابات النظام نادرة الحدوث، برزت موحسن كواحدة من أولى المدن التي واجهت دبابات الجيش الطائفي الخائن، وأحرقت بعضها في معارك طاحنة داخل أحيائها. لم تكتفِ المدينة بالمواجهة، بل حولت رماد المعارك إلى رسائل كرامة، إذ كانت الدبابات المحروقة تُنقل عبرها إلى مدينة دير الزور، حيث كان الأهالي يجتمعون لرؤية آثار تلك المعارك، بينما كانت نساء المدينة يطلقن الزغاريد ابتهاجاً بما فعله أبناء موحسن من حرق للدبابات والعربات المصفحة.
ومع حلول منتصف عام 2012، وبعد صمود أسطوري وتضحيات جسام، لا أتحدث هنا فقط عن إسقاط أول طائرة حربية من نوع ميغ 23، بل عن محطة مفصلية حين تمكنت فصائل المقاومة في موحسن من تدمير حاجز المجنزرات (المعروف باسم حاجز معمل السجاد)، أحد أقوى النقاط العسكرية للنظام في المنطقة. وقد شكل هذا الحدث نقطة تحول كبرى، حيث ساهم بشكل مباشر في تحرير المدينة، لتكون من أوائل المدن المحررة في ريف دير الزور الشرقي، وبدأت معه سلسلة من الانتصارات التي أدت إلى تحرير الريف الشرقي بالكامل.
ولم يكن هذا الحدث استثناءً، بل كانت موحسن، والبو عمر، والمريعية بمثابة خط الدفاع الأول، أو ما يُعرف مجازاً بـ”بوز المدفع”، في وجه قوات النظام. كانت هذه البلدات في مقدمة الصفوف في معظم معارك التحرير، والمقاومة الشرسة التي أبدتها لعبت دوراً محورياً في سقوط الريف الشرقي لدير الزور بيد الثوار في 2012.
لكن هذا المجد لم يكن بلا ثمن… فقد دفعت موحسن ثمناً باهظاً: دمار شبه كامل، وتهجير أكثر من 95% من سكانها، واستشهاد المئات من أبنائها وبناتها، الذين سقطوا على الحواجز، وتحت القصف، وفي المعارك المباشرة وفي المعتقلات.
لذلك، عندما أذكر موحسن اليوم، لا أذكرها لأنها المدينة التي أنتمي إليها… بل لأنها كانت صوتاً للحرية، ويداً في وجه الطغيان، وساحة من ساحات الشرف السوري منذ إنطلاق الثورة السورية حتى إسقاط النظام المجرم.
