الروس الألمان، أو “Spätaussiedler” كما يُعرفون في ألمانيا، هم مجموعة من الألمان العرقيين الذين عاشوا لقرون في مناطق مختلفة من الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي السابق قبل أن يعودوا إلى ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية. هذه المجموعة لها تاريخ طويل ومعقد، يرتبط بالهجرة القسرية والسياسية، والتغيرات الجيوسياسية التي أثرت على أوروبا وروسيا. شرح شامل حول الروس الألمان:

التسمية والتعريف

الروس الألمان أو “روسلاند دويتشه” (Russlanddeutsche)، هم أحفاد الألمان الذين هاجروا إلى روسيا، خاصة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، خلال فترة حكم الإمبراطورة كاترين الثانية (كاترين العظيمة). كانت كاترين العظيمة قد دعت الألمان إلى الهجرة إلى روسيا وتوطين مناطق جديدة، خاصة حول نهر الفولغا، لتعزيز الزراعة والتجارة في الإمبراطورية الروسية. حصل هؤلاء المستوطنون على امتيازات خاصة، بما في ذلك الإعفاء من الخدمة العسكرية والحرية الدينية.

التاريخ والهجرة إلى روسيا

فترة الهجرة الأولى: القرن الثامن عشر

خلال القرن الثامن عشر، وخاصة في عهد الإمبراطورة كاترين الثانية (1762-1796)، تمت دعوة الألمان للاستقرار في روسيا بموجب “مرسوم كاترين” لعام 1763. قدمت الإمبراطورة الأراضي، الإعفاءات الضريبية، والحماية القانونية للألمان لتشجيعهم على الاستقرار في روسيا، خاصة في منطقة الفولغا.

التوسع في الهجرة: القرن التاسع عشر

استمرت الهجرة الألمانية إلى روسيا طوال القرن التاسع عشر. هاجر الألمان أيضاً إلى مناطق أخرى من الإمبراطورية الروسية، بما في ذلك أوكرانيا الحالية والقوقاز. كانوا يعيشون في مجتمعات مستقلة ويحتفظون بلغتهم الألمانية، وعاداتهم، ودينهم.

الحرب العالمية الثانية والتغيرات السياسية

بعد الحرب العالمية الثانية

خلال الحرب العالمية الثانية، تغيرت الظروف بشكل جذري. مع غزو الاتحاد السوفيتي من قبل ألمانيا النازية، تعرض الألمان الروس للاضطهاد والترحيل القسري. تم نفيهم إلى مناطق نائية في سيبيريا وآسيا الوسطى السوفيتية كجزء من سياسات ستالين.

تم تجريد الروس الألمان من امتيازاتهم، وأُجبر الكثير منهم على العمل القسري في معسكرات العمل. كانت هذه الفترة صعبة للغاية، حيث فقد العديد من الألمان الروس حياتهم أو عاشوا في ظروف قاسية للغاية.

فترة الهجرة الكبيرة: بعد انهيار الاتحاد السوفيتي

مع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991، بدأت موجة كبيرة من الهجرة العكسية للروس الألمان إلى ألمانيا. كان العديد من هؤلاء يعتبرون أنفسهم “ألمانًا” على الرغم من العيش في الاتحاد السوفيتي لعدة أجيال، ووفقاً للقوانين الألمانية، كانوا مؤهلين للحصول على الجنسية الألمانية بموجب قانون العودة (Aussiedlergesetz).

اقرأ أيضاً: الجالية التركية في ألمانيا: نظرة شاملة

شروط العودة إلى ألمانيا

بموجب “قانون العودة” (Aussiedlergesetz) الصادر عام 1953 والمعدل عدة مرات لاحقاً، يتم منح الروس الألمان الذين يمكنهم إثبات أصولهم الألمانية والذين عانوا من الاضطهاد العرقي في الاتحاد السوفيتي حق العودة إلى ألمانيا.

شروط العودة تضمنت:

إثبات الأصول الألمانية، من خلال الوثائق الرسمية مثل شهادات الميلاد أو الزواج.

إظهار إلمام كافٍ باللغة الألمانية.

التكيف مع المجتمع الألماني من خلال امتحانات لغة وبرامج اندماج قبل الحصول على الجنسية الكاملة.

بحلول الثمانينيات والتسعينيات، تم تعديل القانون لتسهيل هجرة الروس الألمان إلى ألمانيا بعد تعرضهم للتمييز في الاتحاد السوفيتي خلال عقود طويلة.

الاندماج في المجتمع الألماني

التحديات:

على الرغم من أصولهم الألمانية، واجه الروس الألمان تحديات كبيرة في الاندماج في المجتمع الألماني. جاء الكثير منهم دون إتقان اللغة الألمانية، مما صعّب على البعض الحصول على وظائف جيدة.

كما أن عاداتهم الثقافية تأثرت بالتقاليد السوفيتية، مما جعلهم يشعرون في بعض الأحيان بأنهم غرباء في ألمانيا.

الجيل الثاني والثالث:

مع مرور الوقت، تمكنت الأجيال الجديدة من الروس الألمان من الاندماج بشكل أكبر في المجتمع الألماني. الجيل الثاني والثالث أصبح يتحدث الألمانية بطلاقة، وشارك في مجالات التعليم والعمل مثل باقي السكان.

الدعم الحكومي:

قدمت الحكومة الألمانية برامج متنوعة لدعم اندماج الروس الألمان في المجتمع، بما في ذلك برامج تعليم اللغة الألمانية، ودورات حول الثقافة الألمانية، وإجراءات توظيفية لتسهيل حصولهم على وظائف.

الثقافة الروسية الألمانية

اللغة:

يتحدث العديد من الروس الألمان لغة مزيجة من الألمانية والروسية. بعضهم حافظ على اللهجات الألمانية القديمة التي تعود إلى القرن الثامن عشر، في حين يتحدث آخرون الروسية نتيجة التعايش الطويل في الاتحاد السوفيتي.

الاحتفالات والتقاليد:

يحتفل الروس الألمان بمزيج من الأعياد الألمانية والروسية، مثل عيد الميلاد ورأس السنة، بالإضافة إلى بعض التقاليد المرتبطة بالحياة الريفية الروسية.

الدين:

يعتبر الدين جزءاً مهماً من هوية الروس الألمان. أغلبهم ينتمون إلى الكنيسة اللوثرية أو الكاثوليكية. ومع ذلك، هناك أيضاً بعض الذين يتبعون الكنيسة الأرثوذكسية نتيجة التأثير الروسي.

المساهمات الاقتصادية والاجتماعية

الروس الألمان أسهموا بشكل كبير في الاقتصاد الألماني، حيث انخرطوا في مختلف المجالات مثل الصناعة، التجارة، والعلوم.

العديد من الروس الألمان أسسوا مشاريع تجارية صغيرة وشاركوا بنجاح في سوق العمل الألماني.

الحياة السياسية

رغم اندماجهم التدريجي في المجتمع، كان للروس الألمان تأثير محدود في السياسة الألمانية. لكن مع ذلك، يسعى بعض الممثلين السياسيين من الجالية إلى تمثيل مصالحهم في البرلمان والمجالس المحلية.

الروس الألمان يمثلون جالية ذات تاريخ معقد وعريق، تأثرت بالعديد من العوامل الجيوسياسية والثقافية. على الرغم من التحديات التي واجهوها في العودة إلى ألمانيا بعد عقود من العيش في الاتحاد السوفيتي، نجح العديد منهم في الاندماج والمساهمة في المجتمع الألماني.