
لميس التي تقيم في مقاطعة Niedersachen وهي أم لطفلين، درست في جامعة دمشق ثلاث سنوات في كلية العلوم قسم الرياضيات .
تقول لميس : قبل ألمانيا عام 2012 اضطررنا -كما الجميع- للخروج من سورية بسبب الأوضاع هناك ولجأنا إلى لبنان ، وتركت الجامعة ، عندما لم أجد في لبنان بصيص أمل حول مستقبلنا ، قررت النزول لسوريا رغم مخاطر الطريق وممانعة الأهل واستكملت تسجيلي الجامعي وبدأت أدرس في لبنان وأنزل إلى سوريا فقط في أيام الإمتحانات، مع كل سَفرة كان الرعب والخوف واحتمالية الموت هو الشعور المسيطر، ولكَ أن تتخيل شعور طالب كان على شفا حفرة من الموت قبل امتحانه بدقائق! لكن المنقذ الوحيد لما نحن فيه هو السفر
لخارج لبنان والمنفذ الوحيد لذلك هو استكمال الدراسة.
إلى أن أتت هدية القدر وتلقينا اتصال تسفيرنا عن طريق الأمم المتحدة ” UN “إلى ألمانيا، وكان ذلك في الشهر الرابع من عام 2014.
________________________________________________
تقول : في ألمانيا بدأت مرحلة جديدة وليس لدي أدنى فكرة عن القوانين ولا عن شروط الدراسة ولا بأي إتجاه أذهب، تم فرزنا إلى قرية صغيرة سكانها كبار بالعمر لا يلمّون بشيء عما أبحث عنه من معلومات.
بدأت البحث في صفحات الإنترنت والفيس بوك وسألت هنا وهناك حتى وضعت خطة توصلني للقبول الجامعي بوقت قصير .
بسبب معيشتي في قرية كنت أعاني من صعوبة التسجيل وطول الإنتظار وأحيانا فقدان الأمل مع كل مرحلة في تعلم اللغة الألمانية، فقررت دراستها بالبيت، درست مستوى “b1” وال “b2” ثم بدأت في دورة الإندماج .
_____________________________________________
حدثنتي وقالت : خلال أول عامين وفي كل فترة انتظار كنت أنضم لعمل تطوعي ما ، مرة ترجمة للاجئين الجدد عن طريق منظمة “BFD Bundesfreiwilligendienst ” ، ومرة حضور ندوات تعليمية وفي عام 2015 أخذت أول عقد عمل “Teilzeit “كمدرسة مساعدة لمادة الرياضيات “Nachhilfe” لللمراحل الدراسية المتوسطة في معهد “Studienkreis” في مقاطعة “Niedersachen” ولأول مرة أحتك بشكل مباشر مع طلاب ألمان ولم يكن معي حينئذ إلا مستوى “b1” في اللغة الألمانية واستمرت في التدريس حتى عام 2016 .
وفي عام 2016 دخلت فصل دراسي كطالبة مستمعة بفرع ال “Elektrotechnik” في جامعة “Emden ” .
وفي نفس العام اضطررت للإنتقال إلى مدينة هامبورغ التي تبعد ست ساعات لزيارة دورة لغة ألمانية لمستوى C1 و Test DaF من خلال منحة منظمة Otto benecke Stiftung ، حينها بقيت في مدينة هامبورغ ثلاث أشهر .
_______________________________________________
وتقول : في عام 2017 سجلت بشكل نظامي في جامعة”in Jade Hochschule” بفرع الهندسة الطبية “Medizintechnik” .
وتضيف : لم تكن هذه الأربع سنين في الجامعة يسيرة أو سهلة، فقرار منعي من النقل مع عائلتي وبُعد الجامعي عني من ساعتين إلى ثلاث ساعات حسب توفر الباصات والقطارات الغير مضمون في تلك القُرى جعل من الأمر أكثر صعوبة، وماكان يشّحذني لإستحماله هو مقارنتي الدائمة بطريق الدراسة الذي كنت أسلكه من لبنان لسوريا، على الأقل هنا لن أخسر حياتي !
لحل هذه المشكلة قررت الحصول على شهادة السياقة الألمانية وشراء سيارة.
كل ذلك بالإضافة للإلتزامات العائلية مع طفلين كان يحتاج لتركيز عالي على مدار اليوم وتنظيم وقت وجهد بدني، مثل أني كنت ارسم مشاريعي وأُحضّر للمخابر في الوقت المستقطع في الباصات والقطارات وأدرس لشهادة السياقة قبل النوم ثم أستيقظ الساعة الخامسة صباحاً لحضور محاضرة الثامنة الإجبارية.
خلال مسيرتي الجامعية بسبب تفوقي في المواد الأساسية وحصولي على العلامات التامة 1,0 أَعطيت مرة اُخرى دروس خصوصي لمادة الرياضيات للطلاب العرب وتوظفت كذلك ك معيدة “Tutorin” في الجامعة للطلاب الألمان.
وكنا ننظم في الجامعة أنا وأصدقائي العرب الكثير من البرامج لمساعدة الطلاب الأجانب واختصار الطريق عليهم.
منذ عام 2016 وأنا عضوة في منظمة “Make it german” التطوعية لمساعدة الطلاب الجدد وتوجيههم وشاركت بتنظيم الكثير من الندوات وورشات العمل “الوورك شوب” بمختلف المقاطعات ، بالإضافة لمشاركاتي على الموقع الإلكتروني للمنظمة بعدة مقالات تتحدث عن كيفية تخطي الصعوبات الأولى في الجامعة وعن كيفية اختيار الفرع الدراسي المناسب وما إلى ذلك…
رابط موقع المنظمة :
رابط صفحة المنظمة على الفيس بوك :
https://m.facebook.com/makeitgermancom/
بالإضافة لعضويتي منذ عام 2018 في منظمة اليونيسف العالمية Unicef ومشاركتي بعدة نشاطات وحملات تبرع للأطفال.
______________________________________________
حَصلت على الجنسية الألمانية بعد ست سنوات وتقول كانت الجنسية الألمانية بمثابة هدية عن كل التعب الذي مضى.
________________________________________________
هي الآن في سنتها الأخيرة في الجامعة وتقف على مشارف التخرج، قريباً ستحقق حلم عمره 10 سنوات .
_______________________________________________
هل تشعرين أنكِ حققتي الإندماج في سوق العمل وفي المجتمع الألماني؟
في سوق العمل أجل، لقد حققت الإندماج والذي ساعد على ذلك هو اللغة :
أولاً : والجرأة بأن أمارسها بدون خجل من الأخطاء والتلبك ، ثانياً : كان الإنخراط بالألمان وحضور الندوات والدورات الطوعية، يعني بإمكاني القول أنهم أعطوني رأس الخيط للدخول للحياة العملية، أما اجتماعياً لم يكن الإندماج بذلك النجاح نظراً لفروق الإهتمامات بين المجتمعين.
……………………………………………………………………….
ما الأمر الذي ساعدكِ في الإحساس بالإستقرار في ألمانيا ؟
لم أشعر بالإستقرار حتى حصلت على الجنسية الألمانية، رغم أني أدرس في الجامعة وعلى وشك التخرج إلا أن شعور الثبات والاستقرار جاء بعد الحصول على الجنسية.
………………………………………………………………………..
ما هي الصعوبات التي واجهتك في ألمانيا وكيف استطعتي مواجهتها؟
إختلاف القوانين كان الأصعب، لأن أي هفوة قانونية ممكن أن تدمر مستقبلك، وصرامة القوانين ببعض الأحيان كان مُعرقل( منع النقل مثلاً) ، كما أن البطء بإتخاذ القرارات التي تكون مصيرية بكثير من الأحيان والبيروقراطية القاتلة ،كل ذلك صقل شخصيتي بشخصية جديدة تتناسب مع برودة الدم الألماني ورتابة أيامه ودقة مواعيده ووضع أكثر من خطة تحسباً لأي قرار.
…………………………………………………………………………
ما النجاح الذي حققتيه على الصعيد الشخصي ؟
على الصعيد الشخصي أتاحت لي ألمانيا بسسبب تنوعها فرصة الإختلاط بكثير من الثقافات. تعرفت على أصدقاء من مختلف البلدان العربية والغربية والإفريقية.
انضمامي لأكثر من منظمة تطوعية واستفادتي شخصياً من هكذا منظمات جلعني أعي قيمة التبرع بالوقت والمعلومة وأن أي تقدم على مستوى الفرد سيحقق بالضرورة تقدم على مستوى الجماعة.
……………………………………………………………………….
ماذا تقولي للألمان حسب تجربتكِ مثلاً شيء إيجابي وآخر سلبي أو إنتقاد إن وجد ؟
للألمان أقول لهم أن ألمانيا جميلة جداً، بلد صناعي وعلمي ،ناجح بامتياز، الألمان شعب مُجِدّ ومكافح “zielstrebig” لكن ما يزيد تميزه هو استقطابه لمختلف الثقافات والجنسيات وهذا ماسيزيد نجاحه، فلا تسمعوا للجاهلين المعادين للأجانب وللتنوع، الأجانب ثروة لألمانيا وليسوا خسارة، وهذا الكلام موجه بشكل خاص لأرباب العمل وأصحاب الشركات.
………………………………………………………………………..
كيف استطعتي كسر الحاجز بينك وبين الألمان جيرانك مثلا أو زملاء العمل ….الخ ؟
الابتسامة والمعاملة اللطيفة تكسر أي حاجز مع أي شعب.
إزالة سوء الفهم الناتج عن ضعف اللغة أو تباعد التفكيرين العربي والغربي بالاستفسار وطلب التوضيح.
التركيز على التشابهات والعمل عليها والابتعاد عن الاختلافات وغض النظر عنها.
إقرأ أيضاً: العمل والنجاح ليس رهناً بعمر أو حدود
………………………………………………………………………..
ما هي النصائح التي ساعدتك في تعلم اللغة الألمانية وما كان اسلوب دراستك للغة الألمانية وما الكتب التي ساعدتك في تعلمها ؟
أولاً : الإستمرار في الدراسة وعدم الإنقطاع، حتى لو كانت كلمة في اليوم.
ثانياً : وضع خطة دراسية تتناسب مع مستوى حفظك واستيعابك وتنفيذها بجدية.
ثالثاً : ممارسة اللغة مع الألمان وإذا لم يتوفر، ف سماع الأغاني والأفلام باللغة الألمانية وخاصة قبل النوم.
رابعاً : كتابة أسماء الأشياء في مكان قريب مني ومراجعته بإستمرار، فالعين تحفظ قبل الأذن أحيانا ![]()
خامساً : الكتاب الذي استعنت به في بداياتي كان “ALMANI” ألماني وهو كتاب قواعد اللغة الألمانية للعرب “Deutsche Grammatik für Araber “
للمؤلف : خالد الرواشده عبدالرحمن
سادساً : كما ذكرت سابقاً، الجرأة في الكلام وعدم الخجل من الأخطاء جعل من كسر حاجز اللغة شيئا سهلاً.
سابعاً : ومن موقعي ك مدرّسة أنصح بعدم المقارنة مع الآخرين، فلكل إنسان قدراته وأسلوبه بالدراسة وأساسه التعليمي وظروفه التي يمر بها وعمره، كله ممكن أن يؤثر على معدل حفظه وإتقانه للغة.
المهم في النهاية مهما طالت المدة أو قصرت أن تستمر لتصل لما تريد.
………………………………………………. ……………………….
ماذا تحب أن توجهي رسالة للسوريين في ألمانيا؟
طريق الوصول لأي هدف يبدأ من وجود خطة واضحة وصارمة في التنفيذ، فلا الوقت ولا العمر ولا الحالة الإجتماعية عائق ، العائق الوحيد هو أنت .
الإنترنت في متناول يد الجميع وهو سلاح ذو حدين، أنت في بلد الخيارات فيه كثيرة لتفعل شيئاً ما لنفسك ومستقبلك، لا ترمي نفسك في شباك الكسل والفشل وتتذرع بالمعوقات.
لا تلقِ سمعاً للآخرين، اسمع المعلومة من مصدرها الأصلي، الكل يتكلم وفقاً لتجربته، وتجارب الآخرين لا يمكن تعميمها، لذلك أنصحك بتعلم اللغة حتى تتمكن من التواصل مع المصادر الأساسية للقوانين والمعلومات.
هذا البلد لمن يعمل ويكدح وتقدم الكثير لمن يسعى، حاول تستغل جميع الفرص المتوفرة لديك ثم اختار ما يناسبك،
نحن كسوريين أصبحنا بلا وطن، فلنجعل من العالم كله وطناً لنا ونفتح جميع الحدود بأيدينا وشهاداتنا أو ما نقدمه من مهن ومشاريع.
صحيح أن أي قرار من قرارات البلاد المتقدمة في احتواء اللاجئين هو قرار يخدم مصالحها في الدرجة الأولى وخاصة أن اللاجئين من الفئة الفتية الشابة القادرة على الإنتاج لكن لا تنسى أن المصلحة هنا مشتركة وبقدر ما تعطي تأخذ والعكس صحيح عكس ماكان الحال عليه في البلاد العربية أو تركيا !
________________________________________________
أتمنى من الله أن يوفق لميس في حياتها ويزيدها نجاحاً وتفوقاً في جامعتها وفي حياتها العملية والإجتماعية .
________________________________________________
إعداد : بركات عبيد – ألمانيا-زينكن
