
تقسيم ألمانيا هو أحد الأحداث الرئيسية التي وقعت بعد الحرب العالمية الثانية (1939-1945) واستمر حتى نهاية الحرب الباردة. كانت هذه الفترة (1949-1990) جزءاً من التوترات العالمية بين المعسكرين الشرقي والغربي، التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وقد تم تقسيم ألمانيا إلى دولتين هما: ألمانيا الغربية (جمهورية ألمانيا الاتحادية) وألمانيا الشرقية (جمهورية ألمانيا الديمقراطية).
خلفية تاريخية:

بعد هزيمة ألمانيا النازية في عام 1945، قامت القوى المنتصرة، وهي الولايات المتحدة الأمريكية، الاتحاد السوفيتي، بريطانيا، وفرنسا، بتقسيم ألمانيا إلى أربع مناطق احتلال، كل واحدة تحت إدارة دولة من الدول الأربع. عاصمة ألمانيا، برلين، التي كانت تقع في عمق المنطقة السوفيتية، تم تقسيمها أيضاً إلى أربع قطاعات.
الأسباب الرئيسية للتقسيم:
اختلاف الأيديولوجيات:
- القوى الغربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا) دعمت الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية.
- الاتحاد السوفيتي كان يسعى لنشر الشيوعية في أوروبا الشرقية، بما في ذلك المنطقة التي احتلها في ألمانيا.
التوترات الدولية:
- بعد الحرب العالمية الثانية، بدأت الحرب الباردة، وهي فترة من التوتر السياسي والعسكري بين الغرب بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها من جهة، والاتحاد السوفيتي والدول الشيوعية من جهة أخرى.
- ألمانيا أصبحت مركزاً رئيسياً لهذا الصراع بسبب موقعها في قلب أوروبا.
مراحل تقسيم ألمانيا:
1949: تأسيس دولتين ألمانيتين
في مايو 1949، أُعلنت جمهورية ألمانيا الاتحادية (ألمانيا الغربية)

- في المناطق التي كانت تحت سيطرة القوى الغربية (الولايات المتحدة، بريطانيا، وفرنسا). كانت دولة ديمقراطية ليبرالية ذات اقتصاد رأسمالي، وكانت جزءاً من المعسكر الغربي.
في أكتوبر 1949، أُعلنت جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية)

في المنطقة التي كانت تحت السيطرة السوفيتية. كانت دولة شيوعية تتبع نمط الحكم السوفيتي، وكانت جزءاً من الكتلة الشرقية.
برلين: مركز الصراع
- رغم تقسيم ألمانيا، بقيت برلين نقطة مركزية للصراع، حيث كانت المدينة مقسمة إلى شرقية وغربية. الجزء الغربي كان تحت سيطرة القوى الغربية، والجزء الشرقي تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي.
- في عام 1961، شيدت الحكومة الألمانية الشرقية جدار برلين (Berliner Mauer) لفصل برلين الشرقية عن برلين الغربية. أصبح هذا الجدار رمزاً مادياً للانقسام الأيديولوجي بين الشرق والغرب.
الحرب الباردة وتأثيرها على ألمانيا:
ألمانيا الغربية (FRG) وألمانيا الشرقية (GDR)
- ألمانيا الغربية: أصبحت قوة اقتصادية رئيسية في أوروبا الغربية من خلال ما يُعرف بـ”المعجزة الاقتصادية” (Wirtschaftswunder). انضمت إلى حلف الناتو في 1955 وأصبحت جزءاً من التحالف الغربي. ازدهر اقتصادها وازداد مستوى المعيشة فيها بشكل كبير.
- ألمانيا الشرقية: كانت دولة اشتراكية تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي. نظامها السياسي كان دكتاتوريًا، واقتصادها كان مخططاً مركزياً . مع الوقت، بدأ الاقتصاد يتراجع نسبيًا، وكانت الحريات الشخصية والسياسية محدودة للغاية.
جدار برلين (1961-1989)
- شيدت حكومة ألمانيا الشرقية جدار برلين في 1961 لمنع مواطنيها من الهروب إلى ألمانيا الغربية، حيث كان آلاف الألمان الشرقيين يفرون بحثاً عن الحرية والفرص الاقتصادية الأفضل.
- الجدار كان رمزًا صارخًا للحرب الباردة، حيث كان يجسد التقسيم المادي والمعنوي بين الشيوعية في الشرق والديمقراطية في الغرب.
- حاول العديد من الألمان الشرقيين الفرار عبر الجدار، وقد مات عدد منهم أثناء محاولتهم الهروب إلى الغرب.
التوترات والصراع
- خلال الحرب الباردة، كانت ألمانيا تمثل ساحة للصراع الأيديولوجي بين الشرق والغرب. برلين على وجه الخصوص كانت نقطة ساخنة، حيث وقعت العديد من الأزمات الكبرى بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.
- الدعم العسكري والاقتصادي من الغرب لألمانيا الغربية، ومن الاتحاد السوفيتي لألمانيا الشرقية، جعل من ألمانيا “واجهة” للحرب الباردة في أوروبا.
نهاية التقسيم وسقوط جدار برلين:
التغييرات في الاتحاد السوفيتي:
- في أواخر الثمانينيات، بدأت الإصلاحات في الاتحاد السوفيتي تحت قيادة ميخائيل غورباتشوف، التي عرفت بسياسات الغلاسنوست (الانفتاح) والبيريسترويكا (إعادة الهيكلة). هذه الإصلاحات شجعت على مزيد من الانفتاح السياسي والتغييرات الاقتصادية في دول الكتلة الشرقية.
1989: سقوط جدار برلين:

في 9 نوفمبر 1989، بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية في ألمانيا الشرقية ودول أخرى في أوروبا الشرقية، أعلنت حكومة ألمانيا الشرقية فجأة عن فتح الحدود بين برلين الشرقية والغربية.
أدى هذا الحدث إلى انهيار جدار برلين، حيث تدفق الآلاف من الألمان الشرقيين إلى الغرب للاحتفال بحرية التنقل.
إعادة توحيد ألمانيا (1990):
- بعد سقوط الجدار، بدأت عملية سياسية سريعة لإعادة توحيد ألمانيا.
- في 3 أكتوبر 1990، تم توحيد ألمانيا رسمياً ، حيث انضمت ألمانيا الشرقية إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية. هذا اليوم أصبح يُحتفل به سنوياً كـ”يوم الوحدة الألمانية” (Tag der Deutschen Einheit).
